لا يختلف اثنان في أن هناك عددًا هائلًا من اللغات في مختلف الحضارات والبلدان، لغات تربعت على عرش أكثر اللغات استخدامًا في عصرنا هذا، ولغات أخرى، انقرضت ولم يصلنا منها سوى رموز منقوشة على مخطوطات تاريخية أو أعمدة الآثار… تماشيًا مع الأمر، ونظرًا للطبيعة البشرية التي تتسم بالفضول وحب الاستكشاف، هناك الكثير من المحاولات التي قام بها المتخصصون من أجل محاولة “تشفير” كتابات اللغات الغريبة، لكن، لم يتعدى الأمر مستوى المحاولة، بل أكثر من ذلك، هناك من باءت بالفشل الذريع.
من خلال هذا الموضوع، سنحاول أن نقدم لغات غريبة مشفرة، والتي حيرت العلماء وظلت مستترة دون فكٍ لشفراتها أو فهمٍ لحروفها وأبجدياتها.
النظام الخطي أ / Linear A
يرتبط النظام الخطي أ (Linear A) بالنظام الخطي ب (Linear B)، فكلاهما كتابتان متجذرتان من الحضارة المينوسية والمينوية القديمة في اليونان.
كان المينويون هم أول من طور الحضارة اليونانية قديمًا، وتحديدًا في جزيرة كريت. لكن، اختفى هذا الشعب العريق فجأة حوالي سنة 1450 ق.م. دون أن يحدد السبب الحقيقي وراء ذلك. لم يبقَ من هذه الحضارة سوى مجموعة من الآثار، والتي أدت إلى اكتشاف نظام الكتابة A محفوظًا في بعض الأقراص الطينية من طرف العالم البريطاني Sir Arthur Evans. تم تسمية هذا النظام ب Linear A أو Linear Minoan وفقًا لكتابتها المستقيمة.
أيضًا، وفي منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وعقب تراجع حضارة المينيون، ظهرت الحضارة الميسينية على الشاطئ اليوناني لبحر إيجه. اعتمدت هذه الحضارة على كتابة مشابهة لتلك المستخدمة من سابقتها، وارتبطت آثارها وأقراصها الطينية المكتشفة بالنظام الخطي A، فاطلق عليها Linear B نظرًا للتشابه الكبير بينها والذي اعتبر وكأنه جيل ثانيٍ من النظام أ.
تم تشفير نظام الكتابة Linear B، من طرف عالم اللسانيات Michael Ventris استنادًا لفرضية أساسها أن هذا النظام ما هو إلى كلمات يونانية مكتوبة بطريقة مختلفة، وبالفعل تم التوصل إلى المعاني السليمة منذ 50 سنة تقريبًا. لكن، وفي محاولة لاستغلال نفس الفرضية من أجل فك النظام Linear A، باءت المحاولات بالفشل، حيث اكتشف حديثًا أن Linear B ليس نظام متجذر من Linear A بل إن هذا الأخير هو نظام مستقل بذاته، بكلماته وحروفه الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ندرة المخطوطات المكتشفة والتي لا يتجاوز عددها 1500 قرصًا طينيًّا زادت من صعوبة تشفير الكلمات، خاصة وأن هذا النظام يعتمد على لوجيغرام، حيث أن كل رمز يعني كلمة كاملة وليس حرفًا فقط، كما سبق وأشرنا في موضوع كاملٍ.
هيروغليفية كريتان / Cretan hieroglyphs
قبل قرن كامل من ظهور النظام الخطي A، طورت نفس الحضارة (حضارة المينويون) نظام الكتابة الأوروبي الأول: الهيروغليفية الكريتية أو هيروغليفية كريتان. تستخدم هذه اللغة الأسلوب التصوري، حيث وبدل اعتماد الحروف أو الكلمات، تم اعتماد رموز على شكل قطط، يدين، ذراعين، قوارب… وغيرها من الصور التي كانت تنقش على أجسام صغير كأختام الأحجار الكريمة.
هناك افتراضات محتملة في كون أن هذه الكتابة تتكامل مع النظامين A وB، ورغم ذلك، فإن استخدامهما من أجل فك شفراتها لم يفي بالغرض، ولازالت كسابقتها مجهولةً. خاصةً وأن العينات المكتشفة قليلة للغاية، ولا تكفي لفهمها. لكن، هناك احتمال آخر في أن هناك عددًا لابأس منها لازال مدفونًا في المعابد والذي ربما باكتشافه استطاع المتخصصون مستقبلًا فك شيفرة هذه الكتابة.
رموز فينتشا / Vinča symbols
تقول بعض الادعاءات أن هذه الرموز ظهرت أول مرة في بلاد الرافدين في الفترة ما بين 3500 و3000 ق.م. لكن، واجهت هذه النظرية مجموعة من التضاربات بين المتخصصين، حيث وجدوا بعد ذلك أنها رموز تنتمي لثقافة Vinča (والتي تعني الأم) في أوروبا الشرقية بين 5500 و 4500 قبل الميلاد.
رموزها اعتبرها العلماء نظام ينطوي تحت ما يسمى semasiography بينما البعض الآخر اعتبرها نظام كتابة مستقلٍ في حد ذاته. بل أبعد من ذلك، هناك متخصصوا لسانيات مثل Harald Haarmann والذي قارنها مع النظام الخطي A، محاولًا إثبات أوجه الشبه بينهما والذي يرجع حسب نظريته إلى وصول الغزاة إلى شمال أوروبا.
بين كل هذه الاحتمالات والدراسات العلمية، لازالت رموز Vinča مجهولة المعنى والتي بلغ عددها إلى يومنا هذا 700 رمزًا تقريبًّا. لكن الأكيد، أنه وفي حال اعتبرت نظام كتابة مستقبل، فإنها ستصبح بذلك أقدم لغة مكتوبة اكتشفت عبر التاريخ.
رونغورنغو / Rongorongo
تم اكتشاف هذه الكتابة لأول مرة من قبل أحد الغربيين – Eugène Eyraud – في عام 1866. بعد بضع سنوات، تم الاهتمام بالأمر بصورة علمية دقيقة، وتم اكتشاف قطع أثرية تتضمن هذا النظام في جزيرة الفصح. من هنا بدأت محاولات جدية في فك شيفرة لغة rongorongo.
إن نص هذه اللغة كُتب على الحجر وعلى بعض الأشياء الخشبية، كالألواح التي تم اكتشافها في مساكن الجزيرة، والتي لم يبدي لها السكان أي اهتمام كونهم لم يستطيعوا فهم معانيها. أيضًا، يُقال أن هذه اللغة كانت تعتمد على النقل الشفوي وعلى استخدام أوراق الموز كوسيلة للكتابة، مما جعل من إمكانية العثور عليها أمرًا مستحيلًا نظرًا لطبيعتها القابلة للتلف والتحلل.
عدد رموز الرونغورنغو المكتشفة يبلغ حوالي 120 رمزًا غير مشفّر.
مخطوطة فوينيتش / Voynich manuscript
هي ليست لغة، أو ربما كانت كذلك ! مخطوطة فوينيش هي كتاب مجهول تم اكتشافه والذي دوّن بحروف ورموز لم يُعلم معناها إلى الآن.
في أوائل القرن العشرين، زار Wilfrid Voynich فيلا Mandragone أملًا في العثور على كتب نادرة، وبالفعل، اكتشف مهتم الأنتيكه هذا العديد من النصوص والكتب التاريخية، من بينها المخطوطة الغريبة التي حملت اسمه Voynish والتي مات قبل أن يستطيع فك شيفرتها أو فهم محتواها.
المخطوطة مؤلفة بأكثر من 200 صفحة، وتحتوي على أزيد من 170 ألف حرفٍ مختلف، بالإضافة إلى رسومات توضيحية مفصلة للغاية.
ما استُطيع اكتشافه إلى الآن، هو أن هذه المخطوطة لها أصول إيطالية، وأن غالبية النص يتناول مواضيع تتعلق بالنباتات والتغذية الصحية، حيث تحتوي المخطوطة على أغلبها للنباتات، الجذور، الأوراق، الزهور، علامات فلكية وكذا رسوم توضيحية لظواهر ضوئية. دون أن نستثني الاحتمال الرائج بين الأثريين والذين يعتقدون أن يكون هذا الكتاب ماهو إلا خذعة من Wilfrid Voynich. هو احتمال لم يتم اثباته أو نفيه مادامت كلمات المخطوطة لم يتم تشفيرها بعد .
تعليقات
إرسال تعليق