اكتشاف قصص جديدة لنجيب محفوظ لم تنشر من قبل
( الحي ) أو (همس النجوم) هو مجموعة كاملة من القصص القصيرة المكتشفة حديثاً، للكاتب المصري الأكثر شهرة عبر الأجيال، الحائز على نوبل (نجيب محفوظ).
في الحقيقة دائماً ما يثير اكتشاف قصة أو رواية غير معروفة لكاتب كبير ضجة في الأوساط الأدبية والأكاديمية. مما يثير حمى تسابق محمومة بين المهتمين بالأمر للحديث أو الكتابة وطبعاً قراءة العمل. لكن للأسف نادراً ما ترقى النتائج إلى مستوى الضجيج الذي أثاره الأمر سواء على مستوى الناشر أو الناقد أو القارئ.
في العام الماضي تم اكتشاف أعمال لم تنشر سابقاً لـ (إرنست همنغواي) و (سيلفيا بلاث) بعد كتاباتهم بأكثر من 60 عاماً. كما تم اكتشاف مخطوطة منسية وغير مكتملة من قبل (أنتوني بورجيس) في الأسبوع الماضي. مما أثار المنافسة بين دور النشر على حقوق نشر الملاحظات الموسعة عن هذه الأعمال.
في معظم الحالات، تثبت هذه القصص أنها تثير الجانب الأكاديمي فقط، أو نمطاً معيناً من أصحاب الدراسات العليا المهتمين بهذا الجانب من حياة الكتاب، ولا تثير اهتمام القراء عامة، كما تضيف القليل إلى سمعة مؤلفيها على نطاق أوسع.
ليس هذا هو الحال مع 18 قصة قصيرة التى تشكل مجموعة (الحي). وهي مجموعة كاملة من القصص القصيرة غير المنشورة سابقاً، تم اكتشافها مؤخراً للأديب المصري العظيم (نجيب محفوظ). حيث أحدث ظهور المجموعة للمرة الأولى في لندن ما يشبه انقلاباً أدبياً في جميع الأوساط سواء كانت العامة أو الأكاديمية.
يقصد بالحي هنا، حي (الجمالية) في القاهرة القديمة حيث أمضى نجيب محفوظ طفولته، كما وصفه بكثرة في العديد من رواياته الشهيرة. وتمزج المجموعة بين الملاحظات الدقيقة المغرقة في الوصف لحياة المدينة وأبناء البسطاء، وتبرز في بعض أجزائها الجانب المؤلم في حياتهم بشكل صادم.
تتميز شخصيات المجموعة بأنها ذات الشخصيات المكررة في أدب محفوظ المميز جداً والخاص لأقصى درجة. فنجد كالمعتاد شخصيات مثل: كبير الحي، إمام المسجد، المجذوب، المتسول. كذلك نجده يصف شخصية عروس جديدة تدعى كاميليا تنتحر مشعلة النار في نفسها بعد طلاقها المفاجئ. حكايات المجموعة كلها تتميز بجودة عالية كالمعتاد من حيث الحبكة وطريقة السرد، وجميعها يحمل بعداً إنسانياً يصل بها إلى العالمية على الرغم من إغراقها في المحلية كعادة كتابات نجيب محفوظ.
(السهم) واحدة من قصص مجموعة نجيب محفوظ الجديدة
تحكي قصة السهم عن قتل الريس (زين) رمياً بسهم غامض أثناء مروره في الحي راكباً حماره، ومحاولة كبير الحي من حل الجريمة شارحاً لرفاقه كيف أنطلق السهم من وجهته حتى أصاب الريس (زين)، ذلك أثناء بحثه عن شهود في فترة يصفها بأنها الفترة السوداء للحي.
“ماذا يحدث تحت أعيننا؟” يسأل الراوي في أحد أجزاء القصة، يجيبه أحد أصدقائه: “أن الأوقات التي يعيش فيها الناس تمرض أيضاً وتموت، تماماً مثل بقية مخلوقات الله”. ومن خلال الحب والغيرة والجنون والموت المفاجئ تضعنا المجموعة داخل أجواء روايات نجيب محفوظ الكلاسيكية، لنشعر بنفس الأثر الذي تتركه داخلنا أعمال أخرى له مثل (الحرافيش) و (الثلاثية).
ومن اللافت للنظر أن هذه القصص لم تظهر إلا في سبتمبر الماضي، عندما وجد الصحفي والكاتب المصري (محمد شعير) مخطوطاً مكتوباً بخط اليد بين متعلقات محفوظ. وتحتوي المخطوطة على 50 قصة كتبها محفوظ، وقد ظهر الكثير منها بالفعل في مجلة نصف الدنيا، كما تضمنت المخطوطة 18 قصة غير معروفة سابقاً وهي مدرجة حالياً في مجموعة (الحي).
تم اكتشاف المخطوط في صندوق مغلق مدون عليه بعض التعليمات، أبرزها عبارة (للنشر عام 1994).
تواريخ فارقة في حياة نجيب محفوظ
بالتأكيد يعتبر للعامة عام 1988 هو الأبرز في حياة نجيب محفوظ وهو العام الذي تم منحه فيه جائزة نوبل للأداب. أيضاً عامي 1956-1957 يعدان من أكثر سنين محفوظ تأثيراً حيث نشر فيهما ثلاثية القاهرة الشهيرة: (بين القصرين)، (قصر الشوق)، و(السكرية).
أما عام 1994 فهو عام فارق جداً في حياة محفوظ، حيث كانت نقطة تحول في حياة محفوظ ككاتب. والسبب في ذلك أنه في عام 1989، بعد فتوى من آية الله الخميني ضد (سلمان رشدي) بعد نشر كتابه (اّيات شيطانية)، أقترح رجل دين مصري إباحة دم محفوظ بسبب روايته (أبناء الجبلاوي) أو (أولاد حارتنا) كما يعرفها العالم العربي، حيث أنها تعد من الأصل السبب الرئيسي في جعل سلمان رشدي يتجرأ وينشر كتابه.
نجح هذا التصريح في جعل (نجيب محفوظ) هدفاً من قبل التطرف الديني. ونتيجة لذلك تعرض (محفوظ) لمحاولة اغتيال خارج منزله بالقاهرة عام 1994. نجا منها ولكن مع أثر دائم في أعصاب الذراع الأيمن جعله عاجزاً عن الكتابة لأكثر من عشر دقائق بشكل متواصل. لكنه بالرغم من ذلك واصل الكتابه ولم يتوقف أبداً.
وعلى الرغم من أنه كان يكتب منذ ثلاثينات القرن الماضي، إلا أن (الثلاثية) التى وصفها محفوظ بأنها تاريخ بلاده وتاريخه وأثبتت مكانته وسمعته ككاتب في مصر وخارجها، لم تؤمن له ثروة كافية ليتفرغ لمهنة الكتابة فشغل وظيفة حكومية كموظف مدني حتى تقاعد في أوائل السبعينات.
مجموعة (الحي) صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام بعنوان (همس النجوم)، ولاقت بالفعل نجاحاً واستحساناً عالياً. الأمر الذي أدى إلى ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية لتلقى صدى عالياً في كل الأوساط الأدبية.
تعليقات
إرسال تعليق