فرانز كافكا.. رحلة الألم والتشاؤم بدأت من الأب و انتهت بالموت مبكرا
فرانز كافكا، كاتب تشيكي توفي سنة 1924م وعمره 40 عامًا، لكنه بالطبع ما زال حيًا بيننا بأعماله، فإلى وقتنا هذا تتم دراسة أعماله، ويتم الكتابة عنها وإعادة ترجمتها أيضًا، فهو دائمًا الغائب الحاضر.
لماذا يعيش كافكا بيننا إلى الآن رغم وفاته صغيرًا؟
من يشعر بالألم ويكتب عنه ويستطيع أن يخرجه- خصوصًا بشكل فني- يبقى بين الناس ويعيش بينهم للأبد ولا ينساه القرَّاء، لأن الألم والحزن والغربة كلها مشاعر لا تتبدل ولا تتغير وكل الناس تشعر بها في مختلف الثقافات والطبقات الاجتماعية والأزمنة.
الغربة والتشاؤم ليسا حكرًا على كافكا
أبو العلاء المعري مثلًا- المتوفى 1057م- كان متشائمًا مغتربًا وهو الذي قال:
رَبِّ مَتى أَرحَلُ عَن هَذِهِ ال… دُنيا فَإِنّي قَد أَطَلتُ المُقاملَم أَدرِ ما نَجمي وَلَكِنَّهُ… في النَحسِ مُذ كانَ جَرى وَاِستَقامفَلا صَديقٌ يَتَرَجّى يَدي… وَلا عَدُوٌّ يَتَخَشّى اِنتِقاموَالعَيشُ سُقمٌ لِلفَتى مُنصِبٌ… وَالمَوتُ يَأتي بِشِفاءِ السَقاموَالتُربُ مَثوايَ وَمَثواهُمُ… وَما رَأَينا أَحَداً مِنهُ قام
وأبو حيان التوحيدي (المتوفى 1023م) هو الذي قال في كتابه “الإشارات الإلهية”:
“بل الغريب من هو في غربته غريب، بل الغريب من ليس له نسيب، بل الغريب من ليس له من الحق نصيب”.
فالاغتراب والشعور بالوحشة والعبث كلها مشاعر تتمكن من بعضنا أو نمر بها من حين لآخر، لذلك من يخرجها في شكل كتابات نثرية أو قصصية أو شعرية يُخَلِّد اسمه، حتى وإن لم يكن مشهورًا وقتها.
طه حسين وكافكا
عبده وازن في مقال له نُشر في موقع الإندبندنت العربية في 8 سبتمبر 2019 بعنوان: “طه حسين أول من اكتشف كافكا عربيًا ودافع عنه… وجعله حفيدًا لأبي العلاء المعري” أشار فيه إلى أن طه حسين دافع عن كافكا في مقالين بسبب الهجوم عليه في أوروبا باعتباره كاتبًا هدامًا تشاؤميًا.
الموت والجبر والاختيار عند كافكا
وإذا استعرضنا روايتي “المحاكمة” و”المسخ”- الرواية الأشهر- نجده بدأ الأولى بـ”لا بد أن أحدهم افترى على جوزيف كي لأنه في صباح أحد الأيام، ومن دون أي سبب أو مبرر، تم توقيفه”.
وبدأ المسخ بـ”حين أفاق «جريجور سامسا» ذات صباح من أحلام مزعجة، وجد نفسه وقد تحوّل في فراشه إلى حشرة ضخمة”.
فالأول مُطارَد ومُتهم في قضية لا يعرف ذنبه فيها يحاول المقاومة لفهم ما يحدث حوله، والثاني تحول إلى حشرة مسخ، تنتهي الروايتان بموت البطل.
الموت هو الحقيقة الثابتة، يُجبر عليها في المحاكمة، ورغم عبثية المسخ ولا واقعيتها.. لكن المآل هو الموت، ورحلة الجبر في الحياة، نحن مجبورون، حقيقة يقذفها كافكا في وجه القارئ بكل قوة، ويتركه يتأملها ويعرف الحقيقة المؤلمة.
والد كافكا
عاش كافكا مع أب أقرب إلى الوحش، فقد كان صاحب متجر وتعمل أم كافكا فيه، وكان له أخان ماتا لأن والده لم يسمح لها برعايتهما لأن العمل في المتجر كان أهم من حياة ابنيه.
فقال كافكا عن الأسرة: “صلة الأسرة هي الصلة القسرية الوحيدة التي لا يمكن فسخها” وقال: “إن بيت أهله سجن أقيم له خصيصًا وهو أكثر قساوة لأنه يماثل بيتًا عاديًا لا يرى فيه في أحد- غيري- سجنًا”.
إضافة إلى أن أبيه كان يعارض زيجاته، وكان يرى اهتمامه بالأدب موضة ستنتهي مع الوقت، وكان يريد له حياة برجوازية بشكل معين.
وفي رواية “رسالة إلى الوالد” التي تعبر بشكل قوي عن علاقته بوالده، يفتتحها بقوله:
“الوالد الأعز، سألتني مرة، مؤخرًا، لماذا أدّعي أنني أخاف منك. ولم أعرف، كالعادة أن أجيبك بشيء، من طرف بسبب هذا الخوف نفسه الذي أستشعره أمامك، ومن طرف لأن تعليل هذا الخوف يتطلب تفاصيل أكثر مما أستطيع أن أجمعه إلى حد ما في الكلام”.
ويقول:
“الوالد الأعز، كان يكفي أن أبدي بعض الاهتمام بإنسان ما، ومن طبعي لم يكن هذا ليحدث غالبًا، حتى تتدخل بشدة، دون مراعاة لمشاعري، ودون احترام لحكمي، وتروح تكيل الشتائم والافتراءات والإهانات”.
كافكا في عيون الغير
عاش كافكا حياة مؤلمة رأى فيها منظورًا مظلمًا صوره في رواياته ورسائله، لذلك قالت عنه مالينا تنعيه بعد وفاته: “لقد توفي قبل أمس «فرانز كافكا»، قلةٌ هم من يعرفونه هنا، لأنه كان منعزلًا، رجلًا حكيمًا يهاب الحياة، كان خجولًا وطيبًا، لكن الكتب التي كتبها كانت قاسية وموجعة، هو أحكم من أن يعيش، وأضعف من أن يقاوم. لكن ضعفه هو ضعف أولئك الأشخاص المرهفين الذين يعجزون عن مواجهة الخوف وسوء الفهم وعدم التقدير والخداع”.
هكذا هو دائمًا حال المتألم الحالم الطيب الخجول، لا يستطيع تحمل وحشية العالم من حوله أو قسوة الحياة، فيؤدي دوره سريعًا ويرحل خفيفًا ويترك أثره لمن بعده، جاء كافكا ورحل وترك لنا آلامه نقرأها ونرى أنفسنا من خلالها.
اقرأ أيضاً :
المصدر : أراجيك
تعليقات
إرسال تعليق