اخر الأخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

الأربعاء، 26 أغسطس 2020

الأدب في مواجهة التاريخ البشري

كتاب تحميل روايات كتب رواية pdf حكم الأدب العالمي






الأدب في مواجهة التاريخ البشري :




يقول الكاتب المصري أحمد أمين في كتابه فيض الخاطر { و إقرأ تاريخ الأمم فهل ترى إلاّ تاريخا حربيا، حربا أيام الحرب و استعدادا للحرب أيام السلم، وإحصاء للجيوش و إحصاء للقتلى، و وصفا للخراب و تسجيلا لأنواع التنكيل}.


إن علاقة الأدب بالتاريخ علاقة تتجاوز حاجز الزمان فمنذ اكتشاف أولى أشكال الكتابة سارع الإنسان لتأريخ أعماله و إنجازاته، معتقداته وأفكاره و الظواهر التي شهدها إنطلاقا من هيرودتس إلى العلامة ابن خلدون إلى ابراهيم بن طالح بن عيسى و غيرهم...
لكن علاقة الأدب بالتاريخ تخطت بمراحل كونها نقل و تدوين فأصبحت دراسة و تفسيرا للأحداث، فأصبح الأدب بوصفه ضمير للبشرية تهديدا للغريزة الحيوانية في البشر التي لطالما حاولوا طمسها أحيانا و تلميعها أحيانا أخرى أو في أسو الحالات تبريرها. فالصراع بين الأدب و التاريخ البشري يشبه النزاع داخل الذات البشرية بين الخير و الشر. والسؤال يطرح نفسه هنا ما أسباب هذا الصراع؟ وما هي نتائجه؟.

إن الكتب وخاصة التاريخية منها شكلت عائقا أمام سلطات أرادت بناء حضارات على أعقاب حضارات أخرى مرتدية زي الطهارة و العفاف مصورة نفسها البطل المنتصر في كل معركة وحرب، متناسية بذلك أن الهزيمة أو الانتصار في الحرب أشياء نسبية و أن التاريخ لا يرحم و أن الحقيقة شمس حارقة يمكن تفاديها لكنها لن تختفي و تعود لتشرق بعد كل ظلام مهما طال. و بعبارة أخرى دون تنميق أو مجاز و فواصل الكتب فضحت باعتبارها نقلا لشهادات و رؤى و تجارب الإنسان، خلال ملاين السنين التي قضاها في الحروب، وحشية و دموية  التاريخ البشري و الأمثلة عن الكتب التاريخية التي وصفت بشاعة الحروب الملطخة بالدم و الدمار و غبار الخراب و الجوع و الحرمان و القسوة موجودة رغم ندرتها نستطيع أن نذكر منها المخطوطات التي اهتمت باخبار تاريخ الشركس المسلمين الذي ظل مخفيا لعقود بل لأجيال، فهذا الشعب ذاق طعم الحروب و الدمار وتم تهجيرهم و إبادتهم من قبل روسيا القيصرية طيلة مئة و أربعة و خمسين عاما، فلولا الأدب لما عرف الإنسان المعاصر مثل هذه المظلمة، أو غيرها من المعارك الطاحنة التي دفع ثمنها الآلاف من المدنيين الذين لا حول لهم و لا قوة خسروا أراضيهم و أعراضهم و عائلاتهم مثل الحربين العالميتين التي راح ضحيتهما ملايين من القتلى و الجرحى و تشريد آلاف العائلات و تدمير البنى التحتية و تم إغتصاب ملايين النساء من بينهن مليون إمرأة ألمانية من قبل الجنود السوفيات و لم يتم ذكر ذلك إلا في مذكرات ضابط روسي.كما أن الأدب لم يكتف بإضهار مرارة الكر و الفر فحسب بل كشف عن ممارسات سبقت الحروب و أدت إلى اندلاعها، ممارسات سياسية قذرة فيها قمع لحق الشعوب و تفرد بالسلطة و تأليه للزعماء و القادة و انتقد الأدب أنظمة تفصل بين الشعب الواحد و تميز بعضهم عن بعض، أنظمة تهمشهم و تحتقرهم، أنظمة انتهجت سياسة التجويع و التركيع. دافع الأدباء عن شعوبهم ضد هؤلاء الساسة المتجبرين، ضد المستعمر و ضد كل شكل من أشكال الإقصاء و القمع و القهر و التعسف و في حوزتهم كلماتهم و حفنة أوراق منهم شعراء أمثال أحمد مطر أبو القاسم الشابي و سميح قاسم و هم كانوا لسان حال شعوبهم و أوطانهم و مرآة واقعهم، و كتاب أمثال شين كونغوين و جورج أورويل ( صاحب رواية 1984) و لا ننسى الكتاب الروس كدوستويفسكي الذي تحدث في كل كتاباته عن هموم الناس و آلامهم في حقبة معينة. كما لا ننسى الكتابة و الباحثة هيلين إيليربي التي اتخذت موقف على الحرية البشرية و الكرامة الإنسانية في كتابها (الجانب المظلم في التاريخ المسيحي) الذي تحدثت فيه عن القضايا الخاصة بالتاريخ المسيحي و ما أطلقت عليه بذور الطغيان و جرائم الكنيسة و محاولاتها لتحديد علاقة الناس بالإله... وهذا غيض من فيض فقط.

و اضطلعت الكتب كذلك بدورها العملي التنويري منذ عصور التخلف و الجهالة و نبذ العلم لاعتباره حينها معاداة للإله أو ضرب من ضروب الشعوذة و السحر أو هرطقة و جنون ،فمنذ القدم جاهد العلماء على نشر معارفهم و اكتشافاتهم و نظرياتهم فيما يخص الإنسان و بيئته و كل ما يتعلف بوجوده على الأرض و طرحوا تساؤلاتهم عم الكون و مداه. كمثال نذكر السير اسحق نيوتن، عالم الفلك نيكولاس كوبرنيكوس الذي صاغ نظرية مركزية الشمس و كون الأرض جرما يدور في فلكها. كذلك تجب الإشارة إلى العالم و الفيلسوف ابن رشد واضع كتاب البرهان و له عديد التلاخيص (كتاب ما بعد الطبيعة، كتاب النفس، كتاب القياس) فعلى ضوء ما سبق ذكره مثل الأدب ملاذا للثوار و المتمردين و العلماء و السياسيين، على حد سواء، كي ينشروا أفكارهم كي يكشفوا و يعبروا لتصل أفكارهم إلى عقول قد تستطيع تغييرها و توجيهها، قد تستطيع قيادتها نحو عوالم أخرى و فتح بصيرتها على حقائق و مساعدتها على ايجاد طريق البحث عن الحرية و تعليمها عدم الرضوخ للذل و الاستعباد و القمع إذن فالأدب مثله مثل منارة يهتدي بها كل ضال و كل باحث عن الحقيقة.
لكن لا يظن القارئ لهذا المقال أنه تعداد لمزايا الكتب فكما سبق و ذكرت أن العلاقة التي نشرحها بين الأدب و التاريخ صراع له أسبابه و تم شرحها و له نتائجه وهي في مجملها وصمة عار.
فالتاريخ أعلن كراهيته للأدب فحاول تزييفه و أنقص من مصداقيته في وصف بشاعة الحروب و أضاف المغالطات فشوه أطراف و لمّع أخرى و قدسها و مجّد أعمال جماعات و برّر أخطائها ،أيضا تم تزوير إحصائيات و التلاعب بها بهدف تقليل أعداد القتلى أو الخسائر و زيادتها حسب الحاجة إلى ذلك، فالتاريخ يكتبه المنتصر فيغير تفاصيله حسب رغبته; ففي ال 28 من شهر مايو لسنة 2017 أعلنت وزارة شؤون الإعلام المصرية مصادرتها لعدد من الكتب لاحتوائها على مغالطات تاريخية في مضمونها، و هذا ثمن غال لتدفعه البشرية فعندما تتم سرقة جزء من ماضينا نحن نفقد جزء من هويتنا.
لكن ذلك لا يعادل "فضيحة" حرق الكتب و إخفائها و تدميرها أو اغراقها، و تاريخنا يعج بمثل هذه الأحداث الأليمة يمكن أن نذكر حرق كتب ابن رشد ( وهي تعادل خمسين كتابا) في زمن الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور و هي خسارة عظمى للعرب و نقطة سوداء في تاريخهم لا يمكن محوها، كذلك يذكر لنا التاريخ إغراق المغول لأكثر من 300 ألف كتاب في التراث الإسلامي والسير و التراجم و الكيمياء و الفلسفة و الرياضيات من مكتبة بيت الحكمة البغدادي في نهر دجلة ، مكتبة سراييفو مكتبة ،المكتبة الوطنية في صربيا، مكتبة القسطنطينية و هي آخر المكتبات الكبيرة بالعالم القديم مع بداية الحكم المسيحي، و فقدت المكتبة 120 ألف مخطوطة بعدما كانت حافظا للمعرفة القديمة لليونان و الإغريق لأكثر من 1000 عام. لكن التاريخ لم يكتف بحرق الكتب و "دفنها" فقط بل منع نشرها و حرم قراءتها فكتاب 1984 الذي سبقت الإشارة إليه تم منعه لمدة طويلة في الو. م. أ و الاتحاد السوفياتي أما كتاب أعمال منوعة لشين كونغوين فلاقى مهاجمة شرسة من الشيوعيين و القوميين و حظر نشره في تايوان و الصين و دمرت آلات الطباعة و النسخ الخاصة بالرواية.

تمت محاصرة الأدباء المنادين بالعدالة و الحرية و مضايقتهم و نفيهم و اعتقالهم كالشاعر سليط اللسان حاد القلم أحمد مطر و الشاعر سميح قاسم الذي سجن أكثر من مرة وهُدّد بالقتل... و حُوكِموا في الكنائس فمن منّا لم يسمع عن محاكمة غاليلو الذي دافع عن أفكار نيكولاس كوبرنيك و جملته الشهيرة (لكنها تدور)... فخلاصة القول أن التاريخ البشري زاخر بمعاركه ضد الكلمة الحرة و القلم الصادق، لكن ليس على ذلك أن يثنينا و لو للحظة عن البحث عن ماضينا. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot

الصفحات