شيء عن: الغضب والعصبية المفرطة والانفعال
الغضب هو تعبير خارجي وانفعال داخلي وهو احد المشاعر الاساسية للكائن الحي التي أقرّها العالم النفساني بول إيكمان وهي: ( السعادة والحزن والغضب والدهشة والخوف والاشمئزاز ) وهو غريزة يشترك فيها الانسان مع باقي الحيوانات عند تعرضه لمؤثرات معينة تؤدي الى نشوء ردة فعل منخرطة في اطار انفعالي مؤقت قد يصبح حالة ملازمة للسلوك عند الانسان فيغدو الشخص انفعاليا او عصبيا بافراط وحينها قد تصنف طبيا ضمن احد الاضطرابات السيكولوجية التي تصيب الشخصية . ويشمل التاثير الجسدي اللحظي للغضب زيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم، والغضب هو حركة استجابة سريعة من المخ لتهديد محتمل من الضرر. ويصبح الغضب الشعور السائد سلوكيا، ذهنيا، وبيولوجيا لاتخاذ إجراءات على الفور من شأنها وقف السلوك التهديدي من قوة أخرى خارجية.
تستخدم الحيوانات غريزة الغضب للدفاع عن مساحتها المكانية او الصيد او النفوذ لغرض التغذية والصراع من اجل البقاء وهو وسيلة دفاعية تعتمد الهجوم والاستهداف والردع وهذا ما توصلت البيولوجيا التطورية والعلوم السلوكية والدماغية إليه فهي تشير الى ان أن نظامنا العصبي له أوجه تشابه مذهلة مع بعض الحيوانات، لاسيما الثدييات الأخرى.
وقد يمتد الغضب والانفعال السريع في الانسان الى تكسير الادوات والاعتداء اللفظي والشراسة وقد يؤدي الى الضرب والقتل والجرائم بالاضافة الى تاثيره على المدى البعيد بالاثار البدنية والنفسية والامراض والاضطرابات والموت المبكر. كما ينعكس سلبا على العائلة والتربية والنشوء وبالتالي سلوكيات الافراد في المجتمع عامة.
ذم الغضب في الفلسفات القديمة كما هو الحال لدى جالينوس وسينيكا فقد أعتبروا الغضب كنوع من الجنون. وقد رفضوا جميعهم النوبات العفوية من الغضب الجامح، ووافقوا على كل من قيمة وإمكانية السيطرة على الغضب الا ان ارسطو اعتبر نقيض الغضب هو نوع من عدم الأحساس ، في الفلسفات الحديثة يشير ديفيد هيوم الى ان “الغضب والكراهية هي عواطف غريزية في التركيب والتكوين الخاص بنا، فإن نقصهم أحيانا يكون دليل ضعف وحماقة.
كذلك الحال مع الاديان فقد نظرت الى الغضب كونه من كبائر الشرور و” الخطايا المميتة ” وكونه عاطفة مدمربيولوجيا لا يتوقف الغضب على فترات عمرية معينة وان كانت لها اثر كما في سن المراهقة والنمو والتغيرات الهرمونية والنفسية للفرد . كما لا يتوقف على الجنس رغم اعتقاد القدماء وبعض الدراسات ان النساء اكثر غضبا وانفعالا من الرجال.
ويرى زيلمان إن الغضب المتصاعد كسلسلة متلاحقة من الاستفزازات تعمل كل حلقة منها على حفز رد الفعل التهيجي وفي ظل ھذا التلاحق يصبح كل غضب لاحق عامل استفزاز يثير الفكر والإدراك الحسي بما يتدفق من ھرمون الكيتوكولامينز Catecholamine الذي تضاف كل دفعة منه إلى دفعات الزخم الهرموني التي سبقتها وھكذا، تصل الدفقة الثانية قبل أن تخمد الأولى والثالثة فوقها ، وعند ھذه النقطة من مستوى الغضب ينتفي الاستعداد للتسامح ويبتعد الغاضبون عن العقلانية ويدور تفكيرھم حول الانتقام والأخذ بالثأر ويغمرھم النسيان لما يمكن أن تصل إليه النتائج.
الدراسات العلمية تعتقد انه عادة أولئك الذين يعانون من الغضب يعللون الاستثارة بأنها نتيجة ل “ما حدث لهم” في الماضي البعيد او القريب ونتيجة للتجارب والمواقف والعقد والسلوك الانعكاسي للاخرين والمحيط وظروف العائلة والتربية والنمو.
ووفقا ل نوفاكو، فان ” تجارب الغضب هي جزء لا يتجزأ أو متداخلة في إطار السياق الزماني البيئي. والاضطرابات التي قد لا تكون ساهمت في حدوث الغضب في البداية فهى تترك بقايا لا يتم الأعتراف بها بسهولة كخلفية متباطئة للبؤر الأستفزازية.
ويشير بعض علماء النفس الى ان الأحداث أو المواقف في ذاتها ليست ھي السبب في الشعور بالغضب ولكن الكيفية التي يدرك بها الفرد الحدث والاستفزازات التي تواجهه والتي تدفعه إلى الاستجابة بطريقة غاضبة ، وان الشعور بالغضب ھو انفعال عام ، فكل فرد منا يعاني الشعور بالغضب في أوقات معينة وان من مشاعر وخصائص الغضب الشعور بالإحباط والخيبة وعدم القدرة على التعامل مع الضغوط ولوم الآخرين والصراخ والعدوان.
ويرى افريل ان الغضب ھو باقي ماضينا البيولوجي الذي في ظروف أكثر حضارية نستطيع ضبطه.
لكن الافراد في ظل ظروف التنشئة التي اسستها الحضارة واجواء التربية والسلوكيات التي يصاغ بها نموهم من خلالها فأنهم معرضون لما يجعلهم اكثر انفعالية وغضبا واشد تعرضا للعصبية المفرطة في المستقبل.
اقرأ أيضا: لا تلتزم الحياد أثناء الأزمات الأخلاقية
سيكولوجيا ، العصبية المفرطة والغضب والانفعال الحاد هو أحد الأعراض الشائعة لاضطرابات القلق، إلا أنها ليست نفس الشيء.كذلك الحال للشخصيات المصابة بالاكتئاب والشخصيات الحدية والانفجارية والاندفاعية وغيرها ..فتكون حالات ملازمة مرضية ساهمت في نشوئها تجارب فقدان او موت او تراكمات من مرحلة الطفولة والنمو بالاضافة الى الصدمات العاطفية والاسرية والفشل والاحباط والظلم والمعاناة والعوامل الوراثية.
قام لوبيز وتورمان Thurman & Lopez بدراسة تهدف إلى التعرف على اثر الخلافات التي تنشأ في بيئة الأسرة بين طلاب الجامعة من نوعين أحدھما يتميز بارتفاع درجة الميل نحو الغضب والآخر يتميز بانخفاضها (وقد أجريت الدراسة على ، طالبا منهم ) (٢٠٢ ) (١١٦)من الذكور و ( ٨٦ )من الإناث وتوصلت الدراسة إلى إن الطلاب الذين يتميزون بدرجة عالية من الميل نحو الغضب أن بيئاتهم الأسرية غير متماسكة وتقل فيها درجة التعبير بوسائل عاطفية وتعاني من الصراعات والنزاعات ، كما انهم اقل انتظاما من اسر زملائهم الذين ينخفض لديهم الغضب والانفعال.
ربما يواجه الشخص المصاب بالانفعالات والعصبية المفرطة مشاكل جمة في المحيط الاسري والمهني والصداقات والعلاقات الخاصة وفي تفهم حالته بتعقيداتها وكيفية علاجها بالشكل الذي يضمن عدم نفورهم منه ولا عزلته عنهم او شعوره بالوحدة والانطواء.
حيث ان العقد والانهيارات النفسية والعصبية والصدمات المتراكمة التي تصيب الشخص في أي مرحلة كانت لا يمحى اثرها او يزول او يختفي بسرعة بل تتحول الى اشكال وقوالب لاواعية تظهر في اللحظات المناسبة لها وبطريقة غير مناسبة للشخص ذاته.
بصورة عامة فأن الغضب والانفعال والعصبية غالبا هي ليست سلوكيات اختيارية للفرد او طريقة تعامل فضلى منتقاة بل هي انعكاس لباطن مليئ بالعقد والمعاناة والمشاعر السلبية والعقد المختلطة الممزوجة بالماضي والمخاوف والذكريات والقلق والاضطرابات.
كما ان العلاج والشفاء منها يتطلب فترات طويلة ومنتظمة وقد تستهلك الكثير من الجهد والارادة القوية والعون.
اذ لا تتوقف اثارها المضرة على الجانب الذهني والنفسي والاجتماعي فحسب بل تمتد الى مظاهر الصحة الجسمية كالالام العضوية المصاحبة للراس والمعدة والمريئ والصدر والارق والام العضلات وانخفاض مستويات الطاقة وضعف الذاكرة والنوبات القلبية والسكتات الدماغية والشيخوخة والنحافة والمشكلات الجنسية والارهاق.
اقرأ أيضا: تأثير ومخاطر وسائل الإعلام في تربية الأبناء
من ناحية اخرى فأن الغضب يمكن أن يكون إيجابياً في بعض الأوقات، وذلك عندما يؤدي الغضب الى تعزيز المصير النفسي نحو تصحيح السلوكيات الخاطئة، وإتاحة الأمور الصحيحة، مثل الغضب لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية والانتصاف من المظالم، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون الغضب مدمرا لكل شيء وذلك عندما لا يتم التعبير عنه بشكل سليم ومناسب.
وفي النهاية يمكن لنا ذكر ما خلص اليه ريان مارتن، أستاذ علم النفس في جامعة ويسكونسن : أنّ الأفكار التي تتولد لدينا في الوهلة الأولى من الغضب يمكن أن تجعلنا نفقد السيطرة تمامًا على مشاعرنا أويمكن أن تساعدنا على التحكم فيها إلى الأبد. فإن استراتيجيات مثل العلاج السلوكي الإدراكي، التي تعلم الناس أنماط التفكير الصحي، يمكن أن تكون حلاً ناجعًا.
ويرى مارتن ان بداية الغضب تكمن في التوصيف الجارح وهي مشكلة معظم الناس الذين يكونون سريعي الانفعال والعصبية حيث ان الاعتداءات اللفظية مثلا تحوي ما تنتجه باقي السلوكيات الحادة وعلى العكس فأن علاج ذلك هو التعاطف وكذلك العلامات الاخرى للغضب والانفعال وبدلاً من تجاهل غضبنا، يريد منا مارتن أن نستمع إلى ما يخبرنا به هذا الغضب وهكذا يمكننا الاستفادة من غريزة موجودة طبيعيا لدينا بطريقة سليمة وتحفظ لنا السلامة النفسية والصحية.
والمهم هو الارادة القوية والتصميم على الانتفاع من العلاج السلوكي والدوائي الطبي وبمساعدة المقربين والاصدقاء لحياة اكثر هدوءا وانسجاما.
مراجع:
موقع TED بالعربي
WWW.WIKIPEDIA.COM
BBC.COM
أثر أسلوب السیكودراما في خفض الغضب لدى طلبة المرحلة المتوسطة .م د حامد قاسم ریشان
موقع اليوم السابع
موقع ويب طب
تعليقات
إرسال تعليق