في مجتمع محاصر داخل فضاء مالي، تعلو فيه القيم المادية على كل شيء، حيث يقاس الناس بالأرقام والموازين وتحدد العلاقات الإنسانية بدرجة نفعها، و كل ما خرج عن ذلك النظام فهو باطل. هل سيبقى مكان للشعراء في مجتمع كهذا؟ هل انتهى زمن الشعر وآن الأوان لكي نشيع القصيدة إلى مثواها الاخير؟ أم أن القصيدة هي حصن الإنسان الأخير للحفاظ على إنسانيته و إستعادة ما هجر منه تحت أسماء كثيرة : الحداثة، التقدم، الربح.. ؟ ذلك ماتتكفل بالاجابة عنه هذه الرواية ..
ملخص كتاب هيا نشتر شاعرا
في عدد صفحات لا يتجاوز 82 صفحة، تتحدث رواية ” هيا نشتر شاعرا” لـ”أفونسو كروشAfonso cruz “ عن طفلة عمرها 12 سنة، تطلب من والديها شراء شاعر، أسوة بالعائلات التي تجد في اقتناء الحيوانات ألفة في البيوت، فالشاعر لا يكلف كثيرا من الناحية المالية والفنية، ولا يترك أوساخا مثل الرسامين والنحاتين. بهذه الفكره التي تبدو ساخرة وغريبة يصور لنا الكاتب مجتمعا ماديا يتسم بالاستهلاك ومحاولة قياس كل شيء بمنطق المال و الفائدة، من خلال تشييئه لكل شيء. يتم شراء الشعراء والرسامين والنحاتين وبقية الفنانين، كما تشترى القطط والكلاب، وعندما يصبحون عبئاً على ميزانية العائلة يتم تركهم تحت شجرة في حديقة. قد تبدو الرواية طريفة للوهلة الأولى بسبب السخرية التي فيها، لكنها في الأساس منذرة ومحذرة من تهافت الناس نحو الماديات على حساب عواطفهم وإنسانيتهم ذاتها. نجد فيها نوعاً ضرورياً من المبالغة، لأنه إن لم يكن عالم اليوم هكذا تماماً، فسيصير على هذه الحال في الغد. الناس يعبّرون عن مشاعرهم بالنسب المئوية. الأسماء أرقام بفواصل عشرية. كل شيء بحاجة للقيام بدراسات وإحصائيات حوله قبل إنجازه. المجاز كذب، الشعر عديم النفع، والشعراء غريبو الأطوار وغرباء في ذلك المجتمع المادي الذي يمتلك لغته الخاصة. أثبت الشاعر أن وجوده في حياة تلك العائلة مهم جدا و مربح، فقد حلّت عباراته الشاعرية مشاكل كل منهم على حدا: ساعدت الإبن في كسب حب زميلته في المدرسة بفضل قصيدة كتبها له الشاعر، أعاد للأم كرامتها وإحساسها بذاتها بعد أن كانت آلة أخرى في البيت وكاد العمر يفوتها، وأوحى للأب بالفكرة التي أعادت الازدهار إلى شركته بعد أن شارفت على الإفلاس. و ذلك مايفعله الشعر في الحياة: يحرر الأشياء. "فحين ندرك شاعرية الحجر فإننا نحرره من "تحجره". ننقذ كل شيء بالجمال. ننقذ كل شيء بالشعر. ننظر إلى جذع ميت فنبعث فيه الحياة."
اقتباسات من رواية هيا نشتر شاعرا
"يقولون إنه لمن المفيد التعامل بمودة مع الآخرين، وربط صلة من الألفة بين الأشخاص لتحقيق نوع من الربح، وإن كان ربحا عديم القيمة لأنه ليس ماديا، ولايمكن تحويله إلى أرقام أو استغلاله في الضرائب، و لاهو أيضا مصدر دخل، و لكن هناك من يعتقد -وهي مسألة إيمان- أنه يمكن تحقيق مكاسب من وراء ذلك." (ص7).
اقرأ أيضا: اقتباسات و أقوال فيكتور هوجو
"أريد أن يكون لدي شاعر، فما المشكلة؟ هناك دراسات تؤكد أن الحصول على رسام، أو راقص، أو ممثل، أو حتى شاعر، يساعد على مقاومة الضغط، ويخفض من الكولسترول، وهو ما يجعلنا مواطنين وموظفين أكثر إنتاجية وأكفاء و مركزين. إذن، هل هناك ما هو أحسن من هذا؟" (ص 24).
"يمكننا أن نجد قصيدة في اي شيء، بل يمكن أن نجدها منشورة على الأرض". -منشورة على الأرض، أيها الشاعر؟ - نعم، أو مستلقية على زجاج النافذة. - هل بدأت بأكاذيبك. - إن القصائد في كل مكان،وفي اغلب الأحيان تفضل الاختفاء في الأماكن الأكثر بساطة." (ص 31).
"أدركت أكثر من مرة أنني أصبحت غير نافعة، وأنني أفكر في الأشياء من ناحية جمالها لا غير،ولا أريد أن أعرف قيمتها النقدية أو الوظيفية. صرت غريبه أكثر من اللازم كما يقول أخي. أنظر إلى حشرة، إلى قياس سجاد، إلى كأس شاي مع شريحة ليمون، أو، وهذا الأخطر، إلى أثر كأس شاي ظل على غلاف المائدة. ذات يوم سألوني في المدرسة عن سبب رغبتي في شراء شاعر. قلت إنني أحب الشعر. -غير نافعة! صرخوا. - أنتم لا تدركون أني أحصل على ثقافة! بماذا تنفع-بكومة من الأشياء. هل هذه كمية؟ عليك مشاركتنا بقليل من ذلك لنعرف قيمهة الصفقة. انفعلت وأجبت بأسلوب عنيف: -الثقافة لاتستهلك، فكلما استخدمتها زادت أملاكك. ظلوا في البداية صامتين، ثم احمرت وجوههم و انفجروا ضحكا. قائلين إنني مجنونة غير نافعة، لا تعرف كم يساوي اثنين زائد اثنين." ( ص54).
"لم اهجر أبدا ذلك الشاعر، مازلت أزوره في الحديقة. لا أعرف بالضبط كم عدد الأشخاص الذين مازالوا يزورون شعراءهم المهجورين هم أيضا، ولكن لو بحثنا جيدا فسنجد كثيرا من الحدائق ملأى بيهم في داخلنا والخارج. وشاعري الذي اشتريته عندما كان عمري 13 عاما مازلت أزوره إلى اليوم. قال لي إن الشعر يغير العالم ويبرز الحقيقة مكتوبة بغموض الدقة المطلق. الشعر أصبع مغروس في الواقع والشاعر كمن يخرج من الحمام ويمرر يده على المرآة المكدرة ليكشف وجهه. كان هذا مايقوله هو. وكنت أمسح المرايا على أمل أن أشعر بذلك الإحساس، مثل ما طلب الشاعر، نمرر اليد على الواقع لكي نرى الإبتسامة. أعرف أن هناك كثيرا من البخار يجعل الحياة حادة قليلا و غير واضحة، ولكنني سأظل أحاول. (ص 68).
"يقول الشاعر أن أبيات الشعر تحرر الأشياء. وإننا حين ندرك شاعرية الحجر فإننا نحرره من "تحجره". ننقذ كل شيء بالجمال. ننقذ كل شيء بالشعر. ننظر إلى جذع ميت فنبعث فيه الحياة. هو فقط نسي ماذا كان. علينا تحرير الأشياء وهذا عمل كبير. أعرف أن أشياء كثيرة في حياتي تغيرت بفضله."( ص 69).
"يقال في بعض الأحيان إن الخيال هروب مزعوم من الواقع( وكما قال إليوت: الإنسانية لا تتحمل كثيرا من الواقع) كما لو أنه لم يصل إلينا أو أنه آلمنا ولذلك نحتاج إلى قليل من الخيال، كحاجتنا إلى النسيان والترفيه. الخيال ليس هروبا من القبح، ومن الرعب، ومن المظالم الاجتماعية، وإنما، هو بالضبط تصميم لبناء بديل، هندسة فرضية لمجتمع أكثر انسجاما مع انتظاراتنا الانسانية و الأخلاقية، بحقيقة صلبة مما يقلل لديها الحاجة إلى التعلم، نحن نولد بجقيقة أقل ولكن بإمكانيات و بأسلحة وليدة الخيال: نحن نبتكر. فعندما ننظر حولنا ونرى كراسي، طاولات، قمصان، ملاعق، فوانيس، أقلام، كتب، فكل ما نراه ليست أشياء ولدت معنا ولكنها ولدت من الخيال، من الأفكار. فالعالم الذي يحيط بما هو نتاج الثقافة." (ص 73).
" المجتمع يكون أفضل إن نحن تخيلنا افضل. لدينا ذلك الذي سماه جون لوك بالكمال، تلك الخاصية الغريبة التي تسمح لنا بالتطور حتى نحقق إنسانية مثالية. فمستقبلنا سيكون دائما خيالا، شيئا لم يوجد بعد، تحويل الطاقة إلى فعل". ( ص74).
تعليقات
إرسال تعليق