نشرته / د . زهراء اخلاص عادل
لم يسعفني قلبي الذي
يعتصر على بيروت الجميلة وهو يشاهد هول المأساة
التي اصابتها نتيجة الانفجار المروع في مرفئها ، أن ينشر صور هذا الخراب الفظيع والذي
خلف خسائر مفجعة في الأرواح والأموال والأبنية على مساحة كبيرة من مدينة الأناقة
والجمال .
المشاهد الموثقة
واللقطات المنتشرة في الاعلام العالمي ووسائل التواصل التي عاشها سكان بيروت كانت
صادمة ، اذ ذهب الكثيرون الى وصفها بأنها الاكثر فظاعة على الاطلاق لمثل هكذا
حوادث حصلت في العالم من سنين عديدة .
ولا تزال اسباب
الانفجار مجهولة ومبهمة في ظل ارتباك الساسة الجلي في محاولة تغطية التقصير
والاهمال الذي يعتقد البعض انه سببًا وراء الانفجار ، ويذهب اخرون الى اعتقادات
اخرى تشمل القصف الخارجي او كون الانفجار متعمد مع سبق الاصرار في خضم صراعات
سياسية وطائفية تمزق هذا البلد .
وفي ظل هذا كله كان
الشعر هو الملاذ الأمثل الذي داوى به اللبنانيون جراحهم الأليمة خاصةً لشعراء عرب
كبار نالت من قصائدهم بيروت مكانة متميزة ، وكانت لبعضهم محطة حياتهم الأبرز
أدبيًا وثقافيًا .
شاعر العرب الاكبر
محمد مهدي الجواهري :
في ديوان
الجواهري، تبرز قصيدة "ناغيت لبناناً" التي نظمت عام 1947 بمناسبة الزيارة
التي قام بها الرئيس بشارة الخوري إلى العراق ، ومطلعها:
ناغيتُ
لبناناً بشعري جيلا، وظفرته لجبينه اكليلا.
ونونيته الشهيرة :
أرض
العراق سعت لها لبنانُ فتصافح الانجيلُ والقرآنُ
وتطلَّعت
لكَ دجلـةٌ فتضاربت فـكأنمـا بعبُابتهـا الهَيَمـان
وكتب
عند نزوله في قرية وادي العرائش عام 1934 قصيدة "وادي العرائش"
يوم
من العمر في واديك معدود ُ مستوحشات ٌ به أيامي السود ُ
نزلت ُ ساحتك الغنــاء فانبعثت بالذكريـات الشجيـات الأنـاشـيد
وقصيدة "شاعور حمانا":
عاودتُ
بعد تغيُّبٍ لُبـنـانــا ونزلتُ رَحْـبَ فـِنـــائـه جَـذلانــا
ودَرَجتُ
اقتنصُ الشباب خَسِرتُه ذا رِبحةٍ ورَبِحته خسرانا
وفي
عام 1961 نظم عبقري الشعر محمد مهدي الجواهري قصيدته الخالدة :
لبنـانُ
يا خمري وطيبي, لا لامستكَ يدُ الخطوب ِ
لبنـانُ
يا غرفَ الجنــان ِ الناضحــات ِ بكـل طيب ِ
لبنـانُ يا وطني اذا حُـلـئتُ عن وطني الحـــبيــب
"الشاعر الفلسطيني محمود درويش "
تُفَّاحةٌ
للبحر، نرجسةٌ الرخام
فراشةٌ
حجريّةٌ بيروتُ . شكلُ الروح فى المرآة
وَصْفُ
المرأة الأولى، ورائحة الغمام
بيروتُ
من تَعَبٍ ومن ذَهَبٍ، وأندلس وشام
فضَّةٌ،
زَبَدٌ، وصايا الأرض فى ريش الحمام
وفاةُ
سنبلة، تشرُّدُ نجمةٍ بينى وبين حبيبتى بيروتُ
لَم
أسمع دمى من قبلُ ينطقُ باسم عاشقةٍ تنام على دمى .....وتنامُ...
مِنْ
مَطَرٍ على البحر اكتشفنا الاسم،
من طعم
الخريف وبرتقال القادمين من الجنوب،
كأنَّنا أسلافُنا نأتى إلى بيروتَ كى نأتى إلى بيروتَ...
كأننا
كنا نُغَنِّى خلسةً : بيروتُ خيمتُنا بيروتُ
نَجْمتُنا سبايا نحن فى الزمان الرخو ,
بيروتُ
شكل الظلِّ
أجملُ
من قصيدتها وأسهلُ من كلام الناس
تُغرينا
بألف بدايةٍ مفتوحة وبأبجدياتٍ جديدة:
بيروتُ
خيمتُنا الوحيدة بيروتُ نجمتُنا الوحيدة
هل تمدَّدنا
على صفصافها لنقيس أجساداً محاها البحر عن أجسادنا جئنا إلى بيروت من أسمائنا الأولى
نفتِّشُ
عن نهايات الجنوب وعن وعاء القلبِ...
بيروتُ
! من أين الطريقُ إلى نوافذ قُرْطُبهْ
أنا
لا أُهاجرُ مَرتَّين
ولا
أُحبُّك مرتين
لكنِّى
أُحوِّمُ حول أحلامي
بيروتُ شاهدةٌ على قلبي وأرحلُ
عن شوارعها وعنِّي عالقاً بقصيدةٍ لا تنتهي
وفي "مديح الظل العالي ":
قُلنا
لبيروت القصيدةَ كُلَّها , قلنا لمنتصفِ النهارِ:
بيروت
قلعتنا بيروت دمعتُنا
ومفتاحٌ
لهذا البحر . كُنَّا نقطة التكوينِ ,
بيروت
قصَّتُنا بيروت غصَّتنا
وبيروت
اختبارُ اللهِ . جرَّبناكَ جرَّبناكَ
من أَعطاك
هذا اللُّغز؟ من سَمَّاكَ؟
من أَعلاك
فوق جراحنا ليراكَ؟
" الشاعر السوري نزار قباني "
للشاعر نزار قباني
قصيدة خالدة في خطابه الشفيف لبيروت والذي يتضح من خلال الابيات :
ست الدنيا
يا بيروت…
من باعَ
أساوركِ المشغولةَ بالياقوتْ؟
من صادر
خاتمكِ السحريَّ
وقصَّ
ضفائرك الدهبيّهْ؟
من ذبح
الفرح النائم في عينيك الخضراوين؟
من شطّب
وجهكِ بالسكّين،
وألقى
ماء النار على شفتيك الرائعتين
من سمَّم
ماء النار على شفتيكِ الرائعتين
من سمم
ماء البحر، ورشَّ الحقد على الشطآن
الورديّه؟
ها نحن
أتينا.. معتذرين.. ومعترفين
أنا
اطلقنا النار عليك بروح قبليّه..
فقتلنا امرأة ً.. كانت تدعى (الحريَّه)…
ماذا
نتكّلم يا بيروت..
وفي
عينيك خلاصة حزن البشريّه
وعلى
نهديكِ المحترقين.. رماد الحرب الأهليّه
ماذا
نتكلّم يا مروحة الصيف، ويا وردته الجوريه
من كان
يفكر أن نتلاقى – يا بيروت – وأنت خرابْ؟
من كان
يفكر أن تنمو للوردة آلاف الأنياب؟
من كان
يفكرُ أنّ العين تقاتل في يوم ٍ ضدّ الأهداب؟
ماذا
نتكلَّم يا لؤلؤتي؟.
يا سنبلتي..
يا أقلامي..
يا أحلامي..
يا أوراقي
الشعريه..
من أين
أتتكِ القسوة يا بيروت،
وكنتِ
برقّة حوريّه..
لا أفهم
كيف انقلب العصفور الدوريُّ..
لقطةِ
ليلٍ وحشيّه..
لا أفهم
أبداً يا بيروت
لا أفهم
كيف نسيت الله..
وعدتِ لعصر الوثنيّه..
قومي
من نومكِ..
يا سلطانة
ُ، يا نوَّارة، يا قنديلاً مشتعلاً في القلبْ
قومي
كي يبقى العالم يا بيروت..
ونبقى
نحن..
ويبقى
الحبّ..
قومي..
يا أحلى
لؤلؤةٍ أهداها البحر
الآن
عرفنا ما معنى..
أن نقتل
عصفوراً في الفجر
الآنعرفنا
ما معنى..
أن ندلق
فوق سماء الصيف زجاجة حبر
الآن كنّا ضِدَّ الله.. وضِدَّ الشِّعر..
يا ستَّ
الدنيا يا بيروت..
يا حيثُ
الوعدُ الأوّل.. والحبُّ الأول..
يا حيث
كتبنا الشعر..
وخبّئناه
بأكياس المخمل..
نعترف
الآن.. بأنّا كُّنا يا بيروت،
نحبُّكِ
كالبدو الرحَّل..
ونمارس
فِعل الحبَّ.. تماماً
كالبدو
الرحّل…
نعترف
الآن.. بأنّكِ كنتِ خليلتنا
نأوي
لفِراشكِ طول الليل…
وعند
الفجر، نهاجر كالبدو الرحَّل
نعترف
الآن.. بأنّا كنّا أميين..
وكنّا
نجهل ما نفعل..
نعترف
الآن، بأنّا كنّا من بين القتله..
ورأينا
رأسك..
يسقط
تحت صخور الروشةِ كالعصفور
نعترف
الآن..
بأنّا
كنّا – ساعة نُفِّذ فيكِ الحكم –
شهود الزور..
نعترف
أمام الله الواحد..
أنّا
كنّا منكِ نغار..
وكان
جمالكِ يؤذينا..
نعترف
الآن..
بأنّا
لم ننصفكِ.. ولم نعذركِ.. ولم نفهمكِ..
وأهديناكِ
مكان الوردةِ سكّينا…
نعترف
أمام الله العادل…
أنّا
راودناك..
وعاشرناكِ..
وضاجعناكِ..
وحمّلناكِ
معاصينا..
يا سِتَّ
الدنيا، إنّ الدنيا بعدكِ ليست تكفينا..
الآن
عرفنا.. أنّ جذوركِ ضاربة ٌ فينها..
الآن عرفنا.. ماذا اقترفت أيدينا..
والبحر
يفتش في دفتره الأزرق عن لبنان
والقمر
الأخضر ..
عاد
أخيراً كي يتزوج من لبنان ..
أعطيني
كفك يا جوهرة الليل ، وزنبقة البلدان
نعترف
الآن ..
بأنا
كنا ساديين ، ودمويين ..
وكنا
وكلاء الشيطان
يا ست
الدنيا يا بيروت ..
قومي
من تحت الردم ، كزهرة لوز في نيسان
قومي
من حزنك ..
إن الثورة
تولد من رحم الأحزان
قومي
إكراماً للغابات ..
وللأنهار
..
وللوديان
..
قومي
إكراماً للإنسان ..
إنا
أخطأنا يا بيروت ..
وجئنا نلتمس الغفران ..
ما زلت
أحبك يا بيروت المجنونه ..
يا نهر
دماء وجواهر ..
ما زلت
أحبك يا بيروت القلب الطيب ..
يا بيروت
الفوضى ..
يا بيروت
الجوع الكافر .. والشبع الكافر ..
ما زلت
أحبك يا بيروت العدل ..
ويا
بيروت الظلم ..
ويا
بيروت السبي ..
ويا
بيروت القاتل والشاعر ..
ما زلت
أحبك يا بيروت العشق ..
ويا
بيروت الذبح من الشريان إلى الشريان ..
ما زلت
أحبك رغم حماقات الإنسان ما زلت أحبك يا بيروت ..
لماذا
لا نبتدئ الآن ؟؟
" الشاعر السوري محمد الماغوط "
انها
بيروت ابرز محطاته التي جعلت منه رائد قصيدة النثر العربية مع رفيقيه " ادونيس
" " وانسي الحاج " ، حيث يقول
الماغوط :
لا امرأةَ لي ولا عقيده
لا مقهى ولا شتاء
ضمني بقوة يا لبنان
أحبُّكَ أكثر من التبغِ والحدائق
أكثر من جنديٍّ عاري الفخذين
يشعلُ لفافته بين الأنقاض ..
وتبدأ
قصيدته (حريق الكلمات) بما يشبه إبراء الذمة حيث يقول: "سئمتك أيها أيها الجيفة
الخالدة. لبنان يحترق - يثب كفرس جريحة عند مدخل الصحراء ..
فلتتقبلي هذه الكلمات منا يا بيروت !
تعليقات
إرسال تعليق